حشد الخليفة الصديق أبو بكر رضي الله عنه خيرة صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم في جيوش الفتح التي وجهها إلى الشام .
ومن أؤلئك الصحابة الأبرار عبد الله بن حذافة السهمي رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى .
وفي إحدى المعارك التي خاضها جيش الإسلام على مشارف ((قيسارية)) تكاثرت من حول عبد الله بن حذافة صناديد الروم فاقتادوه أسيراً إلى معسكرهم ، وجيء به وقد أثقلته القيود بين يدي ملك الروم .
قال الملك وقد عرف مكانة عبد الله في المسلمين :
يا عبد الله هل لك أن تتنصر فأقربك مني وأزوجك ابنتي ..؟
فيجيبه الصحابي المؤمن : فإن لم أفعل ..؟
قال الملك : الآن ترى .
وأمر به فصلب وأمر أحد رماته المهرة فرماه بسهمين أحاطا برأسه عن يمين وعن شمال .
ثم اقترب الملك من عبد الله وقال :أفلا تجيبني إلى ما دعوتك فتنجو بنفسك ..؟
فيجيبه عبد الله : فإن لم أفعل ..؟
فيتمعر وجه الملك غضباً ويقول : الآن ترى .
ويأمر بقدر يغلي فيه الماء حتى يفور ، ثم يؤمر بأسير فيقذف في القدر فإذا عظامه تلوح ، ثم يقترب من عبد الله بن حذافة فيقول :
أفلا تجيبني إلى ما دعوتك فتنجو بنفسك ..؟
فيجيبه عبد الله فإن لم أفعل ..؟
فيشتط الغضب بملك الروم ويأمر بقذفه في الماء المغلي فيقتاده الجند فيبكي عبد الله فتنفرج أسارير الملك عن بسمة شامتة وقد ظن أن عبد الله يبكي جزعاً من الموت ، فيصيح الملك في جنده أن يردوه .
ويسأله شامتاً : أما كنت في غنى عن كل هذا لو أنك أجبتني إلى ما عرضته عليك..؟
فيجيبه الصحابي المؤمن : كأنك أيها الملك ظننتني بكيت جزعاً من الموت ، لا والله ما بكيت جزعاً من الموت ولكنني تذكرت أن ليس لي إلا نفس واحدة أموت بها هذه الميتة في سبيل الله وقد كنت أتمنى أن تكون لي ألف نفس تموت هذه الميتة في سبيل الله لا كما ظننت .
ويعجب الملك بشجاعة عبد الله ويميل إلى أن يطلق سراحه فيقول له :
أتقبل رأسي وأطلق سراحك ..؟
فيجيب الصحابي المؤمن : لا أفعل.
فيقول الملك : وأطلق معك ثمانين أسيراً من قومك ..؟
ويطرق الصحابي هنيهة ، فلا يرى بأساً أن يقبل رأس ملك الروم إذا كان في ذلك فك أسار إخوانه من الأسرى ، فيقول للملك :
أما هذه فنعم ويتقدم منه ويقبل رأسه .
ويعود عبد الله بن حذافة السهمي والأسرى إلى المدينة ، فلما رآه عمر بن الخطاب رضي الله عنه احتضنه وقبل رأسه .
وكان أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يمازحون عبد الله فيقولون له : تقبل رأس علج يا عبد الله ..؟
فيجيبهم :
ما ضرني ما فعلت وقد أطلق الله بتلك القبلة ثمانين أسيراً من المسلمين .
رضي الله عن عبد الله بن حذافة وأرضاه